التقريب يبن المذاهب ليس أمرا محالا


لب العقيدة الإسلامية واحد ، و مصدرها واحد و رسولها واحد و إلهها واحد، فما هي الفرق الاسلامية و كيف نشأت و لماذا و ما هو محور عقيدة كل فرقة و هل من سبيل لتجميع الكلمة لم الشمل و توحيد الرأي ، هذا ما أجاب عنه كتاب (إسلام بلا مذاهب) للكاتب "مصطفى الشكعة" .

بدأ في الباب الأول عن ما هية الإسلام السمحة و كيف هو دين مرن و إن كانت بعض فترات التاريخ الإسلامي اتسمت بالجمود فذلك لم يكن ذنب الإسلام بل كان ذنب المسلمين اللذين تحجر تفكيرهم و اتسموا بالعصبية العمياء ، جاء هذا الباب تمهيدا للدخول في كيفية انشاء المذاهب التي هي ليست من الإسلام في شيء . ثم تحدث في عن المذاهب و الفرق الإسلامية المندثر منها و القائم ،امثال الخوارج و الشيعة و الزيدية و الاسماعيلية و الدروز و العلوية و الاحمدية و المعتزلة و اهل السنة تحدث عن عقيدة كل فرقة و كيف نشأت و الفرق التي تشعبت منها.

و عن الإنقسام الذي حدث للمسلين إلى مذاهب و فرق فكانت العقيدة الإسلامية تكمن في قلوب المسلمين في هناء و يسر و اعتزاز و إيمان حتى توفى رسول الله حاولت الفتنة أن تطل برأسها في سورة خلاف على الزعامة ، أتخذ الخلاف صورة جدية لأول مرة بين المهاجرين و الانصار لكن سماحة الدين و عمق جزوره في قلوب المسلمين وقتئذ و البعد عن المطامع الذاتية ساعد على وأد الخلاف في أوله حينما أعترف المهاجرون بفضل الانصار بذلك تمت بيعة ابي بكر و من بعده عمر بن الخطاب ، يظل الأمر هادئا بين المسلمين حتى حدث الشقاق إزاء سياسة عثمان بن عفان الخليفة الثالث ، انتهى الأمر بماساة قتله و هو يتلو كتاب الله فبايع أكثر المسلمين على بن أبي طالب أميرا للمؤمنين لينجو من شبح الأطماع الشخصية و بقايا العصبية القبلية التي بدأت تطل براسها لأول مرة بين المسلمين ، فينقسم المسلمين إلى قسمين أو حزبين ، حزب ينتصر لعلي بن أبي طالب و حزب ينتصر لمعاوية بن أبي سفيان أو بالأحرى حزب يتشيع لعلي و حزب يتشيع لمعاوية و بمرور الزمن اصبحت لفظة التشيع ذات دلاله لأنصار علي و أتباعة و أحفاده و كانت الشيعة في أول أمرها رأيا سياسيا ليس أكثر ، كما كانت دعوة الأمويين للخلافة و حصرها في معاوية بما يخالف حزب علي بن ابي طالب فيخرجون عليه ويكونون حزبا ثالثا يسمى بالخوارج الذي كان بطلاه أبا موسى الأشعري و عمرو بن العاص ، إذا كانت الفرق الإسلامية عند نشأتها فرقا سياسية و ليست فرقا دينية و الخلاف بينهم لم يكن إختلاف في صميم العقيدة الاسلامية بل كان خلافا في الرأي حول طريقة الحكم و اختيار الحاكم ، ثم أنقسمت كل فرقة الى عدة فرق (ففي الشيعة ظهرت الزيدية و الاسماعيلية و الاثنى عشرية و الهاشمية و المنصورية و الخطابية و ... غيرها ) فيهم الغلاة و الرافضون و الخارجون على التوحيد اولئك اللذين ألهوا علي بن ابي طالب كما أن فيهم أصحاب العقيدة الصائبة و أنقسمت الشيعة الى فرق عديدة كذلك أنقسمت الخوارج إلى فرق منها (الأرازقة و الصفرية و الأباضية و العجاردة و الثعالبة و... غيرها) و كل فرقة منهم أنقسمت إلى عدد من الفرق الآخرى سبب ذلك في الأغلب خلافات في الرأي حول الحكم و الحرب ، و مع مضي الزمن نشأت فرق آخرى كالمعتزلة و الأشاعرة و تأججت الخصومة بين كل فرقة و الآخرى ، و يظل أهل السنة أقربهم إلى الحيدة و إلى فهم العقيدة الإسلامية بدون تعصب أو تعسف .

كان لإختلاف المذاهب و تعدد الفرق أسوأ الأثر على الإسلام و المسلمين ، فالإسلام الموسوم بالسماحة قد تخضب ابناءه بدماء بعضهم نتيجة للخلافات المذهبية و ضيق الأفق الذي حل بهؤلاء المتعصبين و انتهى الأمر في كثير من الأحيان إلى القتال الدامي الذي استمر لفترات طويلة من الزمان و ترك رواسب كثيرة في نفوس المسلمين من ابناء الطوائف المختلفة ، بدأت دماء المسلمين أول الأمر تسيل على يد الخوارج اللذين دعوا أنفسهم بالشراه و رأوا أن الإسلام لا يتم إلا بالجهاد و قتل باق المسلمين اللذين لا يتبعون مذهبهم و من بعدهم جاء القرامطة اللذين وصل شرهم إلى كل بلد و أسالوا الدماء في كل صعيد و انتشروا في العراق و الشام والحجاز يوقعون الفزع في قلوب المسلمين مع قتل و نهب و سلب حتى أنهم كثيرا ما هاجموا حجاج بيت الله الحرام و قتلوهم و منعوا عنهم بئر زمزم و نهبوا ستائر الكعبة و نقلوا الحجر الأسود إلى عاصمتهم ( هجر) ، هذه الألاف من الأرواح التي ازهقت بين الخوارج و القرامطة كان السبب فيها هو ضيق الأفق و التعصب الأعمى و الإسلام منها براء .

مع الوقت زاد الخطر و انتشرت الصراعات أكثر بين المذاهب و خاصة الشيعة و السنة ، على أننا نلاحظ أن أكثر الفرق خسارة في الأرواح هم أنفسهم الشيعة لعدة أسباب أهمها عطف الناس عليهم أول الأمر بإعتبارهم آل البيت الكريم و شدة تعلقهم بهم الأمر الذي كان يرتعد له الخلفاء الامويون فكانوا يوقعون بهم الآذى .

اذا تتبعنا المصادمات و الخلافات التي وقعت بين السنة و الشيعة سواء كان المعتدون هؤلاء أم اولئك فاننا سنجد صفحات دامية سوداء لوثت أفق الحياة الإسلامية لعدة قرون من الزمان فقد حدث في مصر سنة 350 هجرية خلاف بين السنة و معهم الجنود السودانيون من جانب الشيعة ، فكان يسيرون في الطريق يسألون العامة ( من خالك ؟) فإن لم يجيبوا معاوية يلقوا من الضرب و الآذى ما لا طاقة لهم به ، و تقع فتن اخرى بين اعوام 408 و 499 هجرية تسيل الدماء بين السنة و الشيعة انهارا و تشتعل الحرائق حتى جاءت على الأخضر و اليابس لغير ما سبب إلا أن فريقا خالف فريقا آخر ثم ينسبونهم الى الكفر و يقفون في طريقهم و يمنعوهم من زيارة قبور الأئمة و يوقعون بهم الآذى ، لا يزال الأمر على ذلك حتى يتدخل الخليفة لمنع أي أثنين من الحنابلة من الإجتماع في مكان واحد و يظل الشيعة عرضة للمطاردة في كل بقعة من بقاع المسلمين في العراق فارس و الحجاز و مصر وأفريقيا و تركيا و لازالت دماء الشيعة التي اراقها السلطان التركي في مستهل القرن 6 الميلادي نقطة سوداء في تاريخه لأن الدافع لم يكن سوى التعصب للمذهب ، لكن كان الشيعة انفسهم مسؤلين في كثير من الأحيان عما يحدث لهم ذلك لإظهار تعصبهم ضد الصحابة الكرام و لعنهم جهارا الأمر الذي كان يثير المسلمين عليهم .

كما كانت نار الفتنة تشتعل بين ابناء الطائفة الواحدة فقد حدث خلافات بين السنة انفسهم و كان الحنابلة ( انصار احمد بن حنبل ) على رأس المعتدين دائما واشتهروا بالعنف في معاملة خصومهم من أتباع المذهب الشافعي فقد ثاروا عليهم و اللحقوا بهم الآذى بلغ الأمر بالحنابلة أن منعوهم من دفن ابن جرير الطبري لأنه لم يعترف بابن حنبل كفقيه فاضطر أصحابه أن يدفنوه في داره ليلا ، و كان ابن جرير هذا صاحب علم و فضل و صاحب مذهبا خاصا .

لم يندك خنجر الخلاف بين الفرقة في صدر الإسلام على يد المسلمين بل على يد أناس أدعوا الإسلام ليصلوا إلى غايتهم و لم يدخل الإسلام يوما في قلوبهم و أن أول نتيجة مؤسفة لما حدث من خلافات كان ضياع الأندلس بعد أن عشنا على أرضها ما يقارب ثمانية قرون أو يزيد ، و قد استغل الاستعمار الحديث و الصهيونية الماكرة التي يعتنقها المستعمرين من هذه الفرقة بين المسلمين و مازالوا يستفيدون من هذه الفرقة بل و يوسعونها بين المسلمين و بين ابناء الوطن الواحد ففرقوا بين السنة و الشيعة في العراق و بل و تمكن الاستعمار من تحقيق انتصارات كبيرة حتى ضاعت القدس ايضا و لهذا السبب ايضا طردوا المسلمين من ديارهم و سلبوا اموالهم و قد يسقط الوطن العربي كله اذا أستمر الأمر على ذلك و للأسف استطاع الصهاينة أن يجدوا أعوانا في البلاد الإسلامية ففي الهند و باكستان كان ينادي ( ميرزا علام القادياني ) علنا في مقالاته بمهادنة الأنجليز و تعطيل الجهاد من أجل بقاء الإستعمار في أرض يعيش فيها اكثر من 130 مليون مسلم ، و في سوريا استطاع الاستعمار الفرنسي أن يجد بعض ابناء المسلمين من العلويين من يخلق الفتنة بعد الإستقلال مباشرة ، و في العراق كان الإنجليز يخلقون الوقيعة بين السنة والشيعة من ابناء الوطن الواحد و في الجزائر و تونس حاول الإستعمار الإستعانة بالإبايضة لكنه فشل غير أنه استطاع أن يجذب بعض الدروز و ضمهم إلى جيشه ، لم يكن الإستعمار يغريهم بالمال و الأمال فحسب بل كان ايضا يزور في الوثائق التي تتعلق بالفرق الإسلامية كالدرزية في سوريا و لبنان و العلوية في سوريا .

و في محاولة للتقريب بين المذاهب أوضح الكاتب أنه لا خلاف بين المذاهب و بعضها في روح الدين فالإمام ابو حنيفة كان تلميذا للإمام زيد بن على الذي كان ينتسب إلى المذهب الزيدي الشيعي و أخذ عنه الفقه و أصول الدين و الإمام زيد كان تلميذا الواصل بن عطاء أحد رؤوس المعتزلة و كان الإمام مالك بن أنس تلميذا للإمام جعفر الصادق رأس الشيعة الإمامية و كان إماما فاضلا و ورعا له من العلم في أمور الدين مالم يتوفر لغيره من معاصريه هكذا نجد من الروابط التي تجمع بين السنة والإمامية في شخص الإمام مالك و بين السنة و الزيدية في شخص أبي حنيفة و زيد و بين السنة و المعتزلة في شخص الحسن البصري و كثير من الأمثلة التي ساقها لنا الكاتب، خلاصة ما يرنو إليه الكاتب أنه لا يوجد الخلاف الجوهري الذي يستحق كل هذه الفرقة الطويلة الدامية إلا ما كان نتيجة الجهل و التخلف و التعصب الأعمى فمن الميسور إذا التقريب بين كل هذه المذاهب و نلتقي في منتصف الطريق و تعقد بيهم الجلسات التي تظللها سماحة هذا الدين، و أنه لو أخلصت النية و تخلصنا من رواسب الماضي الدامي لخرجنا صفا واحد لا يفرق جماعة عن جماعة فالجميع في النهاية ينتمون إلى دين واحد ذا منبع واحد و إله واحد