حوار مع د. آمنة نصير

>>
40% من الشعب المصري تحت مستوى الفقر

>>
قضية الأمن مع مؤسسات الدولة يحكمها كثيرا من ضيق الأفق
<<
د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر ، درست في المدراس الأمريكية، وتخرجت من
كلية البنات جامعة عين شمس قسم الفلسفة والإجتماع وعلم النفس ، لها مايقارب من 33 مؤلف في القضايا الفلسفية والإجتماعية ، شاركت في عديد من مؤتمرات الحوار بين الأديان ، كما عملت أستاذ زائر في جامعة ليدن بهولندا ، وقامت بالتدريس في الأكاديمية الإسلامية بالنمسا، شغلت منصب عميد كلية الدراسات الإسلامية(سابقا).وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. كان لنا معها هذا الحوار قلما أجد أي معلومات عن الدكتورة آمنة نصير؟ لا أحب التحدث عن نفسي، لكن أستطيع أن أقول أنا د/ آمنة نصير سيدة من صعيد مصر، وأنا أعتز بجذوري الصعيدية، وقريتي هي موشا من قرى أسيوط، تلقب بعروس أسيوط؛ لإرتفاع نسبة التعليم فيها، كما أن شعب موشا شعب مثقف جدا ومعظمهم رأسماليين كبار ، فأذكر أن جدي لوالدي كان أكبر عقبة أمام تجار القطن اليهود في الثلاثينات( على حسب ماقص لي ). كنت أول طفلة في البلد التي أصر على اتمام التعليم بعد الثلاث سنوات الإلزامية في البلد ، كنت كأني قلت نكته ، لدرجة أن أبي أستخف بي وقال لي أنه يكفي أني أقرأ الصحف والمجلات. كان ذلك في الخمسينات، كانت امنيتي أن أكون أستاذة في الجامعة ، وأخدت من الوقت لأقنع والدي مايقرب من العام، حتى اقتنع أخيرا وأدخلني المدرسة الأمريكية، لدرجة أن كثر من أهل البلد كانوا يسخرون " الحاج محمد نصير أدخل بنته_ وخلي بالك من بنته دي _ مدرسة أجنبية في أسيوط ويدفع لها ثمن فدان طين كل سنة _ وكان الفدان هو الاحتياطي الذهبي بالنسبة لهم" . كان هناك إزدواجية لدى الناس بين مؤيدين ومعارضين في نفس الوقت. بالفعل لدرجة أن أبي كان يفخر بي في مجالسة وسط البلد ، وفي نفس الوقت كان يتمنى في قرارة نفسه أن أسقط، ويستريح من همي. وبعد الثانوية العامة كانت معركة حامية جدا لأنني أردت أن أكمل تعليمي الجامعي، وطبعا علي أن أسافر إلى القاهرة . حتى تيسر لي الأمر، واللتحقت ببنات عين شمس قسم فلسفة وعلم نفس واجتماع، وانهيت دراستي سنة 1966. وفي الماجستير أخترت قسم الفلسفة، أذكر أن استاذي رحمة الله (محمد رشاد سالم) أختار لي أن ادرس الشخصية الثانية بعد ابن حنبل وهو ابن القيم الجوزي ، هو عراقي الاصل وكان رجل قوي الحجة له دور كبير في المعارك الفكرية والفقهية . علمت بعد ذلك أن له أكثر من 330 مؤلف كلهم مخطوطين عدا 5 ؛مما جعل كثير من الباحثين يعزفون عن دراسته . درستيه إذا عن حب وليس لمجرد أنه اختيار الأستاذ ، فماذا كان يمثل بالنسبة لك ؟ كان بالنسبة لي حصاد ثري جدا، حصاد طفولة معينة، حصاد مدارس معينة، وحصاد تخصصات خاصة جدا، وحصاد شخصية متمردة، وانا بطبعي شخصية متمردة جدا. هل كان من اليسير الحصول على مؤلفاته ؟ كانت كل مؤلفاته في العراق، وسوريا، واسبريال في اسبانيا. كم أحب أهلي في العراق اللذين ساعدوني كثيرا ، أذكر أن أول معرض للكتاب كان في أرض الجزيرة (الأوبرا حاليا)، قابلت هناك في الوفد العراقي بالمعرض، لما قابلني صاحب مكتبة المثني في العراق قال لي جملة لا انساها ابدا (أيش بلاكي بسيوط العراق) كان يسموه بسيوط العراق لأنه جمع كل الانتاج الذي سبقه ، وقال لي أنه سيرسل لي كل كتبه ومخطوطاته التي ستقع تحت يده ، وقد صدق ، وأرسل لي بعد حوالي شهر حقيبة ممتلئة بكتب للجوزي مما استطاع شراءه أو تصويره او استعارته من مكتبات البيوت . وعن ماذا كانت الدكتوراة؟ اخدتها في ابن عبد الوهاب، بهذا اكون قد انهيت مرحلة السلف في رسالتيي الماجستير والدكتوراه. ما العمل الذي تقومين به الآن بالطبع غير التدريس في الجامعة ؟ نحن نعمل مركز اعتبره من انحج مراكز الجامعات في القاهرة (مركز د/جمال ابو السرور) له ابحاث ونشاطات علمية وجمع مابين الشريعة الاسلامية وقضايا العصر، فقد طرح أهم قضايا المرأة، وقضايا الفقر، والرحم البديل، والطب المساعد. الطب المساعد هو الطب البديل ؟ لا اعتبره طب مساعد وليس بديل. ماذا عن قضايا الفقر ؟ تناولنا كيف حارب الإسلام الفقر، حيث الإسلام أكثر دين حارب الفقر، الإسلام لا يدع الفقير فقيرا، وأول مساعدة له كانت بفرض الزكاة. والزكاة لو أستطاع (س) من الناس أن يهتم بالفقير (ع) من الناس، ويعطيه حتى لو جزء من الزكاة أو كلها ليقضي على فقره ويصبح قوة إنمائية فاليفعل. كما أن الزكاة لو جمعت بالشكل الشرعي السليم، ووزعت كما ارادها الله لأغتنى هذا الشعب، وأذكر بالخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز أنه لما حقق قيمة الزكاة ووزعها لمستحقيها، بعد 3 سنوات لم يجد فقيرا يعطيه الزكاة. أقول هذه المقولة الآن، فلو أخلصنا النية لله سبحانه وتعالى و أخذنا أموال الزكاة، وهي مليارات، ووظفناها للإنماء في الأرض، وأن أجيب كل ذي حاجة في الطبقة التحت متوسطة. ذلك ببناء بنك للزكاة كما كان بيت المال في الماضي، يشرف عليه رجال بعيدين عن وعاء الدولة. وأنا واثقة أن الشعب المصري لو وجد يد أمينة ومنصرف دقيق لأموال الزكاة كلنا سندفع بسخاء. وأنا قلت لو نفذ هذا الأمر بضوابطه العلمية وأتي له بمشرفين من أهل الإختصاص، اساتذة تنمية، اساتذة اقتصاد، واستاذة ادارة، وافضل ان يكونوا من الأساتذة المتفرغين لأن ليس لهم طموح وظيفي وليس لهم رغبة في مد اليد، لكنها تصبح قربى الى الله كي يختموا بها حياتهم. . ولو اعطى لكل شاب عاطل 5 فدادين في سينا، وأدخل لهم المرافق، والله سنكتفي بغلالنا ونوزع على المنطقة كما كنا في الماضي، ولن نجد عاطل، ولن نجد عانس، ولن نجد مدمن، ولسوف يبعث المجتمع ونرقي به، وأنا أحسبه سيكون في ميزان كل من يسهم فيه. هذه الدعوة ليست بالجديدة، فأنا أدعو بها منذ 15 سنة، لكن لا أحذ يجيب ولا أحد يسمع. وأدعو هذه الدعوة مرة آخرى من خلالكم، لعله يكون غدا مشرقا. كثير فعلا ما لا نجد من نعطيه الزكاة ؟ لأن الزكاة لها المنتفعين من ورائها، من العاملين عليها وغيرهم، الزكاة تبعثر بشكل غير منتظم وعشوائي بعيد عن الإطار المنهجي، الذي لابد منه كي نستطيع أن نرقي بالمجتمع، وحتى نزيح النسبة التي تحت حزام الفقر، والتي وصلت الى أكثر من 30% من الشعب المصري، بل وأن هناك أحصائيات تقول أننا وصلنا إلى 40% من الشعب. وعلى فكرة الشعب المصري شعب غني النفس، فلو وجد مثل بيت الزكاة هذا فيه من الأمن والأمان وحسن التوظيف سوف يساهم بسخاء ولو بقرش واحد. كثير من الناس لا يعرفون لمن يعطى الزكاة حتى أن الكثير منهم يعطونها لإمام المسجد يوزعها بمعرفته، وهذا ليس بصحيح، أود أن يرقى المجتمع وأن نحس ببعضنا ونفهم أن المجتمع بنيان مرصوص إذا أشتكى منه عضو سيشتكي بقية الأعضاء. وأود من خطباء المساجد والقائمين على المؤسسة الدينية إننا نجعل فكرة التنمية البشرية والتنمية الإقتصادية، همنا المقبل، وليس قضية الحكومة، فالحكومة ليس هس أمي وأبي، الحكومة الآن مفلسة أكثر من الشعب. القضية قضيتنا جميعا كشعب وافراد ومؤسسات ورجال فكر. ماذا تعني بالحكومة مفلسة أكثر من الشعب ؟ المشكلة أننا كلنا تركنا الحبل على الغارب وتركنا الحبل على الغارب جعل للنفس الرديئة التي تسول لها أن تفعل ما تشاء، وجعل النفس النصف جادة أن ترى الحمل ثقيل عليها، وهذه هي القضية. بعض الأمناء داخل المؤسسات يشعرون أن الأمر أثقل منهم بكثير وأكثر مما يملكون من مواردهم. الشق الثاني هو سلبتنا كمثقفين وكمجتمع ومؤسسات أهلية وغيرها. وتركنا الحبل على الغارب جعل بعض الأمناء يشعرون بحالة يأس وقنوط ، وجعل أصحاب النفوس الرديئة التي لديها ذكاء السرقة والتي تركنا لهم الحبل على الغراب يفعلون ما يشاءون، أنا لا ألوم جهة معينة ولا إنسان بعينة، جميعنا نقع تحت الطائلة في حساب الله سبحانه وتعالى دنيا وأخرة. وماذا عن قضية الرحم البديل ؟ منذ فترة أطلقت فتوى وإلى الآن لم تمت ولم تبعث، فهل يمكن أن تأخذ أمرأة عقيمة بويضتها لتلقح لآخرى؟ وأنا حتى الآن لم أعط رأي، فأنا متوقفة تماما فيها، وقلت للعلماء ان يتوقفوا وطلبت من د/ إسماعيل برادة أن يعملوا أبحاث عن هذه القضية إذا تبين أن الرحم البديل سوف يدخل ببعض المدخلات لهذا الجنين فأكيد هذا لا يقبل، أما إذا توقف الرحم البديل على مجرد ما يوازية من الرضاعة فلا مانع. ألا يتعبر ذلك زنا ؟ وإين الشهوة، طالما انتفت الشهوة واللتقاء عضوين لا يعد زنا أبدا، لكن دائما العقل المسلم والمصري بصفة خاصة، ليس لدية القدرة على تقبل الجديد بسرعة، إنما يأخذه بشيء من التوجس والرفض، لأننا شعوب بنيت على ثقافة معينة وعلى موروث تقافي معين وأعراف، لدرجة أن لدينا أعراف تتفوق على نصوص الدين أحيانا وخاصة في قضايا المرأة. ولأننا تربينا على عقائد وعلى فكر معين فليس من السهل التحرك داخلنا بالتالي دائما نغلب الاحتياط ، نغلب سد الذرائع. أذكر أني كنت في حلقة مع د/ مستجير _ رحمه الله_ سألته كرجل متخصص، قال لي أن هذا الكائن الذي يخصب وبوضع في الرحم البديل، لا يتدخل الرحم البديل في أي مدخل يوجد أي نوع من خلط الأنساب. لكن القضة أولا وأخيرا قضية قانونية وأخلاقية، فهل الأم البديل يمكنها أن تسلم الطفل بعد تعب 9 شهور، هل سأظلمها إذا أجرتها مثل أي بيت، إذا القضية قانونية وأخلاقية يمكن وضع ضوابط لها وقوانين مثل تأخير البيوت. ألا تعتبر إهانة للمرأة أن تأجر مثل البيوت ؟ والله إذا قبلتها .. فالعقد شريعة المتعاقدين .. ، أذكر عندما خرجت بعض السيدات للعمل في كنس الشوارع ثارت مشكلة أن ذلك إهانة للمرأة لكن الأن أصبح الأمر عادي جدا. وأقول دائما أني آخذ كل جديد بشرط أن لا يتصادم مع شريعتي، ولا مع حلالي وحرامي، ونأخذ ذلك بعد التأني والدراسة، لماذا نأخذ كل شيء جديد بصوت عالي وعصبية فشكرا للاستاذ الذي فكر في هذه القضية وانشغل بها وحاول حلها . بعيدا عن التأني والدراسة ، مارأيك في أن الناس عادة مايفتون لبعضهم دون دراسة في كثير من الأحيان ؟ نحن شعب دائما متبرع بالكلام، فلو تعب ولد قليلا نجد من يقول أدهني له كذا أو كذا ، وهذه مشكلة الشعوب ذات التاريخ ، فنجد في موروثنا الثقافي مثلا إذا مرض طفل يقولون له أشعلي له شمعه عند السيدة العذراء او عنذ السيدة زينب، ويكون الطفل مثلا عنده صرع وفي حاجة لعلاج ، وهكذا في الدين . وبالمثل يقولون أن رجل الدين لا يجب أن يتكلم إلا في الدين ؟ التخصص شيء خطير جدا .. لكننا للأسف اليوم نعيش في فوضى كل شيء ، فوضى التخصصات ، فوضى السياسة ، فوضى الفكر ، نحن نعيش في مرحلة فوضوية ، السياسة فوضوية ، الثقافة فوضوية ، حتى في تقيمنا لقضايانا فوضوية ، فنحن في نظرتنا للأمور نجلس واضعين يدينا على رؤسنا منتظرين من يفكر لنا ويحل لنا ، نحن في حاجة الى أمة تحمل اوزارها ن تحمل اتعابها ، تفكر تفكير جدي في قضاياها سواء من خلال افراد او مؤسسات. عندما ثارت مشكلة الحجاب الأخيرة ، قال البعض أنها المشكلة تافهة لا تستحق كل هذه الإثارة . لا لا ليس الحجاب هو ما لا يستحق الثورة ، لكن الوزير فاروق حسني هو من أخطأ خطأ كبير في أنه أقتحم قضية لا يجوز له أن يقتحمها ، سواء في حديث صحفي أو حديث جانبي . فليس من حق أحد أن يعترض طريق أمرأة تردي أن تطيع أمر ربها أو تطيع أمر نفسها . فأنا أشعر وأنا محجبة أني مرتاحة نفسيا ، فما الذي يضيره ، ولماذا يطلب من كل النساء أن يكونوا ورودا وزهورا يتفرج عليهن _ أليس هذا كلامه ؟!_ وتغطية شعري هذا حق لي تحت أي مسمى ديني أو عقائدي . والخطأ أن أقدم على حوار له نصه الديني ، وأنا لا أحاوره في نصه الديني لأنه لا يفقهه ، لكني أحاوره من خلال مفهومه الثقافي ، أليس من فلسفة العلمانية أن الإنسان من حقه أن يفعل ما يريد ، من يريد أن يلبس شورت وويمشي في الشارع أنا مالي به ، فهذا حق الإنسان الذي كفله القانون البشري، وقانون العلمانية الذي كفل لي أن اكل ماأريد وألبس ما أريد . أليست حرية تعبير؟ كلا .. هذا مصادمة مع حقي ، فهناك فرق بين حرية التعبير ، أن أعبر عن شيء محمود ، وفرق بين أن أعبر عن شيء يجرح الآخرين . فهل هو يستطيع أن يعبر بحرية عن شيء يخص اليهود؟ .. فيوم عبر جارودي عن الهولوكست وقال أنه دخله كثير من المبالغات لإستعطاف الناس، فتم اعتقاله ممحاكمته رغم أنه أنجليزي ، فإذا كان من أجل إهانة اليهود حوكم أساتذة عظام . فما أثاره الحجاب لا يعد تفاهة مطلقا بل يعد دراسا لفاروق حسني ولغيره ، كي لا يتدخلوا في إهانة الدين ، فبدلا من أن تعيب على انسانة ملتزمة ، أصلح في وزارتك هي أولى .. والغطاء على فكرة من سنن الفطرة ، حتى أن أبونا آدم وأمنا حواء لما خرجوا من الجنة أول مافعلوه أن تغطوا بورق الشجر ، فالغطاء إذا جزء من فطرتي كي لا أعرض نفسي لكل عين وقحة . وماقاله الوزير جرأة لا تليق به كرجل مسؤل أو كرجل علماني يؤمن بحرية الفرد. لننتقل إلى الأزهر.. كيف ترين علاقة الدولة بالأزهر، وانتشار الأمن في جامعة الأزهر؟ قضية الأمن مع مؤسسات الدولة يحكمها كثيرا من ضيق الأفق ، وعدم الثقة في بعضنا البعض ، فالأمن يغطي كثيرا من سلوكة بعدم الرشد ، فبدلا من أن تحيطني بالأسلحة المدججة ، لماذا لا تطلق لي حرية الحوار . وأخطر شيء أقوله للأمن كأستاذ فلسفة واستاذ أغوص في أعماق البشر ، أن أخطر شيء على المجتمع هو أن تعقد لسانة وتغلق فكرة عن المساهمة في صنع القرار في البلد ، وأنا أذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين يقول " ليس منا من يخشى أن يقول للظالم ياظالم ، وإن وجد هذا المجتمع فقد تودع منهم " . فنحن للأسف في حالة ارتداد، الساحة كلها بما فيها الأمن ، نحن نعيش مرحلة من الزلزلة النفسية والإجتماعية والاقتصادية مثل سفينة في بحر متلاطم . فماذا يفعل الأمن في وضع كهذا ، إلا أن يضع على رأس كل واحد سلاح ، هذا نوع من عدم الرشد وعدم فهم دخيلة المجتمع المصري وثقافته ، الإنسان المصري أصله طيب ليس بداخله مشاغب ولا حاد المزاج ، إنما هو انسان يريدك ألا تهينه و لا تستهين به وتعطيه حق الحياة الكريمة ، فنحن شعب لا يطمح إلى زعامة سياسية . أذكر القاريء أنه أول ماتم الإتحاد مع سوريا قال (شكري القوتلي ) لعبد الناصر : "أني أعطيك 15 مليون زعيما سياسيا لا تجدهم عندك في مصر " . فليس عندنا حب للزعامة السياسة ، نحن نحب أن نفلح في الأرض ، أن نربي أولادنا.من هنا تأتي عدم رشدية رجال الأمن ورجال السياسة. وماذا عن التعليم الأزهري؟ أتحدث عن المؤسسة الأكادية التي أنتمي إليها، وليس التعليم الأزهري بوجه عام ، للأسف التعليم لم يتطور مطلقا ، ونحن نحتاج إلى وقت طويل ، وإلى عقل متحرك وإلى فكر واع ، كي نقيم تناسق بين جذورنا كما لا نكون في إغتراب عن مستجدات عصرنا . مجتمع المؤسسة الأزهرية مجتمع تربى على ثقافة وعلى منهج ، وهذا جزء لا غبار عليه ؛ لأنها مؤسسة دينية ، لكن الذي لا يرقى الى المستوى المنشود من الأزهر أننا نغترب عن واقعنا المعاصر . نحن نعاني من صراع كبير من كيف نطور علومنا وما ورثناه مع أن نجعلها تتناسق مع مستجدات العصر ، وهذه اشكالية كبيرة جدا ، ليست من البساطة أن أقولها في جملة . كيف يمكن أن يحل مثل هذا الصراع ؟ إننا نحتاج إلى جيل جديد غير الموجود الآن ، نحتاج إلى تأهيل جديد غير ماهو عليه الآن . هذه حقيقة لأنني لا استطيع أن أطلب من جيل تربى على كل ما هو قديم ، أن أقول له جدد نفسك ، فهو سوف يدافع عن قديمة ولن يتنازل عنه بل سيعتبره الأول والآخر في الدنيا، بالتالي ستكون مخاصمته للمستجدات ظاهرة لن يتردد فيها. كما أن الجيل الموجود في هذا العصر جميعهم يدافعون عما ورثوه بشكل فيه احساس القضية الشخصية ، وهذا هو بيت القصيد . أسوق لك مقوله رائعة لابن رشد ، خاصة أن هذه المعركة هي معركة العصور كلها ، فكان ابن رشد يتعامل مع التراث اليوناني واضطهد واعتقل 3 مرات، وفي آخر مرة والأمير يرضى عنه ، جلس في مجلس مع الأمير فدخل أحد المشاغبين من الفقهاء فقال له : "أمازلت يابن رشد تتعاطى ثقافة القدماء" ، فكان رد ابن رشد :" نعم أنا مازلت اتعاطاها، ما يتسق مع شريعتي فآخذه وأرحب به وأشكرهم عليه ، وما يصطدم مع شريعتي أرده إليهم وأعذرهم عليه فهم ليسوا من أهل ملتي" . ألم تري كم كان حكيما وهو يتحدث عن نفس القضية ، لكن نحن الآن لم نصل إلى أن نسابق الآخر ، بل نحن في آخر الركب ولو كان هناك آخر أبعد لكناه. هذا مادعى إلى تراجع دور الأزهر وفقد رجل الدين هيبته ؟ بالطبع تراجع دور الأزهر كمؤسسة دينية كثيرا ، ورجل الدين ثمار المؤسسة التعليمة تعليما وتأهيلا ، فماذا سيكون الحصاد سقطت الهيبة ، سقطت المصداقية ، أذكر من نصف قرن عندما كنا نستمع لرجل دين ننحني برؤسنا حتى لو كنا لا نصدق به، لأننا نعلم أنه أعلم منا وأكثر منا دقة . لكن أين نحن الآن ؟! نحن نتعامل كمجتمع مشاغب مع رجل دين ضعيف (لا أقصد ضعيف بنية ، لكن أقصد ضعيف تأهيل)، من هنا جاءت المصادمات.