في عام 1977 أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الهدف الإجتماعي الرئيسي للحكومات ومنظمة الصحة العالمية هو الوصول الى المستوى الصحي الذي يؤدي إلى حياة إجتماعية وإقتصادية منتجة بحلول عام 2000.
وفي عام 1999 حددت منظمة الصحة العالمية غاياتها في الإطار العالمي والإجتماعي وهي أن لكل شخص الحق لمستوى معيشة ملائم للصحة والرفاهية لنفسه وأسرته شاملا الطعام والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الإجتماعية اللازمة.
يقول د. جمال أبو السرور (أستاذ أمراض النساء والتوليد ودير المركز الدولي الإسلامي للسكان بجامعة الأزهر): أنه على مدى عقدين بالرغم من تحقيق التقدم في الرعاية الصحية كحجر الزاوية للصحة للجميع، فإن هذا التقدم تأثر بعدة عوامل منها نقص الدعم السياسي للتطبيق لتطبيق استراتيجية الصحة للجميع، وكذلك بطء التقدم الاقتصادي والاجتماعي والصعوبة في التنفيذ على مستوى القطاعات الصحية، وعدم تخصيص موارد كافية للصحة وكذلك التغيرات السريعة المتلاحقة على الصعيد الديموغرافي والوبائي وكذلك الكوارث الطبيعية التي من صنع البشر كالحروب والصراعات المسلحة.
وكان من أهم النتائج التي توصل إليها مؤتمر (قضايا سكانية من منظور إسلامي) الذي عقد في جامعة الأزهر بالقاهرة، إن المرأة مازالت تعاني في كثير من بلاد العالم من عدم ضمان حقها في العلاج والوصول الى احتياجاتها الصحية ولا يوجد في أي مجال في الصحة فيه عدم مساواة وانصاف بطريقة ملفته للنظر مثل صحة المرأة الانجابية.
والعائق الكبير امام حصول المرأة على حقها في أعلى مستوى من الصحة هو عدم المساواة سواء بينها وبين الرجل أو بينها وبين النساء الاخريات في المناطق الجعغرافية المختلفة أو الطبقات الاجتماعية المختلفة والاقليات العرقية المختلفة.
وفي مجال الرعاية الصحية لا يوجد مجال فيه إحتياج للرعاية والشفاء مثل صحة المرأة.
فالجهاز الانجابي للمرأة يحتاج إلى رعاية صحية خاصة أن المرأة حين تعاني من مرض يصيب الرجال، فإن نمط المرض يختلف بسبب اختلاف الجينات والهرمونات ونمط الحياة.
وبالرغم من كل التقدم الذي حدث في العلم والتكنولوجيا في مجالات الصحية والطبية التي يشهدها القرن العشرين فإن وفيات الامهات لم تنقص، ومقابل كل امرأة تموت يوجد 30 امراة يعانين من اصابات واعاقات نتيجة الولادة والتي عادة لا يتم الافصاح عنها ولا يتم علاجها، ويقدر أن حوالى 300 مليون امرأة أو ربع النساء في العالم النامي عانين مشاكل في الحمل والولادة والتي لها تاثير كبير على حياتهن، وهذه الارقام تعكس فقط عدد الذين يبحثون عن علاج.
وهناك عوامل كثيرة إجتماعية ومتعلقة بالنظام الصحي للدولة تساهم في معدل الاصابة بالامراض الانجابية او بعد الولادة.
ويموت مليون طفل سنويا بسبب وفاة أمهاتهم وخطر وفاة الطفل قبل الخامسة يتضاعف إذا ماتت الأم اثناء الولادة.
وثلاثة ارباع وفيات الأطفال حديثي الولادة يمكن تجنبها في حالة إذا تلقت الأم تغذية جيدة اثناء الحمل وبعد الولادة.
ومن ناحية آخرى مستويات المعلومات عن الجنس الآمن ومرض الايدز لا تزال متندية في كثير من دول العالم وخاصة النامية.
وتقول د. ليلى محمود كامل (استاذ الصحة العامة كلية الطب جامعة القاهرة)تعتبر الصحة الانجابية حورا هاما من محاور التنمية، حيث تعكس الصحة الانجابية الحالة الصحية منذ الطفولة ويمتد تأثيرها إلى ما بعد سن الانجاب، لذلك فالصحة الانجابية تغطي جميع مراحل دورة الحياة لكل من الرجل والمرأة وتؤثر عليها وتتاثر بها.
وتعد مشاكل الصحة الانجابية (مثل الحمل المتكرر، ومرض ووفيات الامهات، والامراض المنقولة جنسيا بما فيها مرض نقض المناعة المكتسب الذي يطلق عليه الأيدز) جميعها مسؤلة عن 36% من سنوات الصحة المهدرة بالنسبة للسيدات في سن الإنجاب، والمعادل لها بالنسبة للرجال يمثل 12% وتؤثر الظروف الغير مواتية بيولوجيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا تأثيرا سلبيا على مشاكل الصحة الانجابية للسيدات بسبب نقص المعلومات وصعوبة نيل الخدمات الصحية.
تشمل خدمات الصحة الانجابية العديد من المكونات تبدأ بالأمومة المأمونة وتغطي مراحل الحياة من الميلاد والطفولة إلى مرحلة انقطاع الطمث ثم الكهولة وتشمل جميع الخدمات الموجهة لتعزيز الصحة والوقاية من الامراض والعلاج والتأهيل، وتشمل ايضا الحق في اختيار شريك الحياة وتوقيت الزواج لكل من الرجل والمرأة.
وفي بحث مقدم من د. مراد كامل حسانين (استاذ امراض النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الازهر) ود. مرفت محمود (استاذ البحوث البيولوجية بالمركز الدولي الاسلامي للسكان بجامعة الازهر) يعرضان فيه أهم مؤشرات الصحة الانجابية في العالم الاسلامي
توجد في العالم الإسلامي ملايين من السيدات يفضلن عدم الانجاب ولكن لا يستخدمن أي من وسائل تباعد فترات الحمل (تنظيم الأسرة)، إما أن تكون السيدة على علم بالحاجة لمنع الحمل لكن لا تتخذ أي إجراءات مناسبة لذلك؛ خوفا من الأعراض الجانبية أو قلة المعلومات المعطاه لها عن وسائل تنظيم الاسرة أو معارضة الزوج لها وفي الدول النامية توجد أكثر من 100 مليون سيدة يعانين من الاجتياجات غير الملباه وفي الدول الاسلامية مثل بكستان توجد حوالي 5.7 مليون سيدة وفي اندونسيا وبنجلاديش 4.4 مليون سيدة لكل منهما وفي نيجيريا 3.9 مليون سيدة، وفي مصر 1.8 مليون سيدة، وتركيا 1.1 مليون سيدة. وترتفع نسبة الحاجة الغير ملياه في الدول الافريقية وخاصة في جنوب الصحراء الكبرى.
وقد أصبحت الأن وسائل تنظيم الأسرة أكثر قبولا في الدول الإسلامية حتى المتشددة منها وأصبح واضحا تأثيرها على صحة الامهات وصحة الاطفال وتقليل معدل الاجهاض غير الامن ، وهناك قصص ناجحة في الدول الاسلامية التي انخفض فيها معدل النمو السكاني باستخدام وسائل تنظيم الأسرة ففي باكستان هناك مشاريع مختلفة وذلك لخفض النمر السكاني من 2.1% إلى 1.8% ، وكذلك توجد هناك محاولة لاقامة مؤسسة لخفض معدل وفيات الامهات .
وهناك مثال ناجح آخر وهو دولة تونس وقد زادت الحريات المعطاه للمرأة وزيادة تعليمها.
أما عن رأي الدين في قضايا الصحة الانجابية وخاصة تنظيم الاسرة يقول د. طه أبو كريشة (نائب رئيس جامعة الأزهر سابقا): إذا كنا نريد جيلا صالحا سويا وقويا فعلينا أن نحسن إختيار الأزواج وأن تكون الصحة الجسدية والعقلية أساسا من أسس الاختيار القائم بين الطرفين لان اي قصور في هذا الاساس سوف ينعكس بالسلب على الذرية
فإذا تم الزواج على اساس صحي سليم وحدث الحمل فإن حقوقا جديدة يجب أن تتوافر لكل من الزوجة الحامل والجنين، إذ جيب أن تراعى الأم جسديا وروحيا من خلال التغذية السليمة والمعاملة اللطيفة الى جانب المتابعة الرشيدة عند للجنين وهو في بطن امه الى ان يحين الميلاد
فاذا حان الوضع فان الام والوليد قد ثبت لهما حقوقا جديدة من ابرزها حق الام في ان يكون الوضع تحت اشراف طبي وان يتم على ايد مدربة ثم يلي ذلك حق الوليد في الرضاعة الطبيعية ومن هنا يتحقق حق الام في الرعاية الصحية والنفسية والتغذية السليمة حتى يضمن للطفل السلامة العقلية والجسدية بالاضافة الى حقه في الرعاية الوقائية التي تتمثل في التحصينات والتطعيمات في مواعيدها.
وعن الصحة الانجابية عند المراهقين من 13 حتى 20 عاما توصلا الاستاذان د. مصطفى حجاب (رئيس قسم أمراض النساء والتوليد كلية الطب جامعة الازهر) ود. أحمد حمزة( أستاذ امراض النساء والتوليد كلية الطب بجامعة الازهر).
أن انماط الحياة للمراهقين مسؤلة عن خطر الاصابة بمرض الايدز وخاصة في الدول الاسلامية يوجد 3 انماط لحياة المراهقين فالاول ملتزم بثقافة الالتزام والاستعفاف والثاني المفتون بالثقافة الغربية والثالث من يجمع بين الالتزام والاباحية.
وهناك اعتقاد خاطيء هو ان الفئة الاكبر تمتعا بالصحة والاقل معاناه من المشاكل الصحية هي فئة المراهقين لكن هذا الاعتقاد لا يكون صحيحا في الامور المتعلقة بالصحة الجنسية والانجابية لدى هذه الفئة وخاصة في الدول الاسلامية.
بصورة عامة هناك ظاهرة في معظم دول المنطقة تنبيء ببدء النشاط الجنسي مبكرا لدى المراهقين مما يدفع نسبة كبيرة منهم الى دخول الحياة الجنسية مبكرا بغض النظر عن شرعية العلاقة.
ومن الدلائل الخطيرة ان امكانية الوصول والحصول على معلومات حول الصحة االنجانبية والجنسية لدى المراهقين محدودة وغير كافية بالفعل
حيث اكدت الراسات ان لدى المراهقين معلومات كثيرة مغلوطه حول الجنس وانتشار الامراض الجنسية
ففي مصر مثلا تشير المعلومات المتوفرة لدى مشروع الخط الساخن ان فئة الشباب بحاجة الى معلومات اضافية حول الصحة الجنسية والانجابية اذ ان 40% من المتصلين غير متزوجين، واكثر من 37% منهم طلبوا معلومات مفصلة حول الممارسات الجنسية وأكثر من 63% سألوا تحديدا عن انتقال عدوى الايدز.
اما في لبنان فقد اشارات دراسة قامت بها جمعية تنظيم الاسرة في لبنان ان مفهوم الصحة الجنسية للمراهقين يتركز حول امكانية انجاب اطفال فقط.
تبدو الحاجة في المنطقة الى خدمات الصحة الانجابية ملحة كما تؤكد على ذلك الدراسات والمؤشرات المتوافرة ، وقد تختلف انواع الخدمات المقدمة في هذا المجال مع اختلاف تطور النظام الصحي في كل بلد من بلدان المنطقة، ففي حين تعاني بلدان في المنطقة من ضعف حاد في البية التحتية لنظام الرعاية الصحية مثل اليمن والسودان والعراق والصومال تتمتع دول اخرى بنظام رعاية صحية متطور نسبيا واكثر تجاوبا وملائمة لمتطلبات الصحة الانجابية كما في تونس والمعرب ولبنان
ونجد ان بلدان المنطقة تدعم خدمات تنظيم الاسرة بطريقة متفاوتة لكن القليل منها يدعم خدمات تقديم المشورة في مجال الصحة الانجابية والجنسية.
غير انه ما من بلد في المنطقة يقدم خدمات للصحة الانجابية والجنسية مفصلة بطريقة تتفق مع احتياجات الشباب والمراهقين لذلك يستخدم الشباب هذه الخدمات اذا توافرت بشكل ضئيل اجمالا ، وهذا الاستخدام القليل قد يكون بسبب عدم العلم بوجود هذه الخدمات أو عدم مناسبتها مع اوقات العمل او الخوف من الوصمة الاجتماعية وعدم القدرة على تحمل كلفة الخدمات وبعد المسافات او صعوبة الوصول الى هذه المراكز
ومن ناحية اخرى تعد مشكلة البتر التناسلي (ختان الاناث) هو احد مشاكل الصحة الانجابية، وتمارس في كثير من دول العالم وتقدر عدد النساء والفتيات اللاتي أجريت لهن هذه العادة بين 100 مليون و 140 مليون امرأة في العالم وخاصة في الدول تحت الصحراء في افريقيا كمصر والسودان.
وعادة البتر التناسلي لها تأثيرات ضارة عضويا ونفسيا ويصحبها مضاعفات عاجلة قد تؤثر على حياة الفتاة الانجابية والجنسية والعقلية.
وإن الرأي القائل باجراء هذه العادة بناء على سند ديني قد رفضه علماء الدين حيث ان كل الديانات ترفض ايذاء الجسد وترفض التضحية بالصحة الشخصية لمجرد موروث ثقافي لا فائدة منه.
يقول د. محمد رأفت عثمان ( استاذ الفقه المقارن بجامعة الازهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية) من صور العنف الذي تمارسها المجتمعات وخاصة الافريقية على المرأة هو الختان وهي عادة اجتماعية لم يثبت نص من النصوص الشرعية يأمر بها معتقدين أن الختان يحصن الفتاة ويحميها من الوقوع في علاقة جنسية قبل الزواج
ويتفق معه د. حامد ابو طالب (عميد كلية الشريعة والقانون سابقا) فيقول : ما يقع على اجساد الفتيات من تقطيع لاجزاء من جهازهن التناسلي هو انتهاك محرم في الاسلام ولم يقل عالم من العلماء انه ختان ، حتى عند القائلين بالختان ولم يرد في ختان الاناث حديث يصلح للاحتجاج به ومن ثم فلا تأثم من لم تختتن ولا يأثم من لم يختن بناته.